يتناول هذا المقال ظاهرة اعتماد العرب على العلاقات مع الولايات المتحدة ودول كبرى أخرى، بعيدا ًعن العمل على بناء القوة الذاتية بأنواعها المختلفة، وتتمثل المشكلة في أن العرب لا زالوا يتجنبون تحقيق عناصر القوة كقوة إقليمية ودولية فاعلة، وذلك رغم توفر عناصر القوة المختلفة لدى الدول العربية عسكرياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وفي الموارد البشرية والطبيعية وفي العمق الاستراتيجي والموقع في قلب العالم، وبالتالي جيوسياسياً وجيواستراتيجياً، والسؤال المركزي للمقال: لماذا لا يتسلح العرب بما يملكون من قوة لفرض توجهاتهم ومصالحهم مواقفهم وحماية بلادهم بما في ذلك حماية الشعب الفلسطيني وإسناده ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيلي؟
ويعتقد المقال أن هذه القوة تفتقد إلى الإرادة العربية، والتي تشكّل العامل الحاسم القادر على تفعيل هذه القوة واستخدامها لمصلحة الأمن القومي العربي، وللدفاع عن العرب ومصالحهم أمام قوة خارجية معتدية.
ومن أبرز نماذج هذه الإشكالية وارتباطاتها الوثيقة ما يظهر عند دراسة حالة حرب الإبادة على غزة 2023-2025 بوصفها حالة قائمة، والتي تسبّبت بتدمير قطاع غزة، وتهجير سكّانه، ليصل عدد النازحين داخل القطاع إلى 2 مليون مواطن فلسطيني، فضلاً عن قتل وجرح 160 ألف شخص، 75% منهم من الأطفال والنساء.
فقد اتُّخذت قرارات عربية بعضها كان موارباً في البدايات لكن بعضها تقدّم بالنص والوضوح، وتشير الدراسة لهذه القرارات أنها تربط تنفيذها ونجاحها بالمجتمع الدولي وبالولايات المتحدة والأمم المتحدة، ولا تشير بأي شكل لأي إجراء عربي أو إسلامي فردي أو جماعي لوقف عدوان إسرائيل وحرب الإبادة على غزة.
حيث ظهر غياب الإرادة الذاتية العربية للفعل المباشر سواء بإسناد النضال الفلسطيني أو بمعاقبة إسرائيل ومحاصرتها، فغاب عن هذه القرارات أي ارتباط بما قد يخيف إسرائيل أو يجعلها تعيد الحسابات، خاصة وأن هذه القرارات ارتبطت بما يفرغها من مضمونها، مثل استبعاد خيار القوة بكل أشكالها، واستبعاد المقاطعة ووقف التطبيع مع إسرائيل، والابتعاد عن دعم مقاومة الاحتلال الاسرائيلي المشروعة وفق القانون الدولي واعتبار هذه المقاومة دفاعاً عن النفس ، ووضوح العجز عن التأثير في الأحداث واتجاهاتها، ما أدى إلى التوسع بالاستخفاف الإسرائيلي والأميركي بالعرب وبقراراتهم.
ويتبين بالتحليل أن ثمة تخوفات وأوهاماً كثيرة تحيط بالتفكير لدى العرب إزاء مواجهة إسرائيل، حيث نجحت الصهيونية ببناء قوة ضاغطة مهمة في الولايات المتحدة يحسب العرب لها حساباً في علاقاتهم مع الولايات المتحدة، ولا يضع العرب في حسبانهم أن أميركا والغرب بحاجة ماسة للعلاقات مع العرب، وأن إسرائيل العدوانية إنما هي أداة تهديد وتخويف للعرب، وأبرز مثال على ذلك قطع العرب للنفط عن الغرب إبان الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1973.
وفي النهاية يدعو المقال إلى التفكير من جديد من قبل النخب الحاكمة العربية ولدى نخب المعارضة أو النخب المثقفة، للتوجه نحو صياغة مشروع قومي عربي يستند إلى القوة والمنعة لكل الدول العربية وشعوبها، ويوقف الصلف والإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني ويعيد له حقوقه المغصوبة وينهي الاحتلال الإسرائيلي لأرضه، حيث يعتقد المقال أنّ مثل هذا المشروع سوف يثقل ميزان التوازن الدولي لصالح العرب، في ظل بدائل متنوعة متاحة للعرب إقليماً ودولياً.
ويعتقد المقال أن أهم ملامح تشكّل هذا المشروع هي بربط القرارات العربية بإجراءات فاعلة، خاصة في مواجهة العدوان والصلف الاسرائيلي الذي يهدّد العالم العربي ويشكّل عليه خطراً استراتيجياً، وهو ما يمكن أن يفرض على النظام الدولي اتخاذ إجراءات رادعة بحق إسرائيل في حال توفرت له أسباب الإرادة والعزيمة والبحث الجادّ في الأمر على المستوى العربي.
الكلمات المفتاحية: إسرائيل، الحرب الإبادة الجماعية، غزة، العالم العربي، إسرائيل، فلسطين، الولايات المتحدة، الغرب، المقاطعة، النضال الفلسطيني، الاحتلال.