المقال الافتتاحي

تداعيات التغير في سوريا على البيئة الجيوسياسية
السيد رئيس التحرير - جواد الحمد


يتناول هذا المقال التغير في سوريا المتمثل بسقوط النظام بعد حكم دام 54 عاماً، ويستكشف التداعيات والآثار المترتبة عليه تجاه البيئة الجيوسياسية الحيوية المحيطة بسوريا، ويبحث في تنامي المحفّزات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في هذه البيئة، ويتوصل المقال إلى عدد من المؤشرات التي استجدّت في كيفية التفاعلات المتوقعة في البيئة الجيوسياسية تجاه قضايا المنطقة الساخنة والقيادة الجديدة في سوريا.
فعلى صعيد الحالة السورية ذاتها يرى المقال أن التصريحات المنضبطة لقادة الثورة والحكومة المؤقتة قاعدة انطلاق معقولة للتفكير بمستقبل الدولة السورية وعلاقاتها الخارجية، بما في ذلك التطمينات بأنها ستكون دولة متعاونة مع الجميع ولا تكون سبباً للقلق الأمني للأشقاء ففي هذه البيئة. وترى المقالة ان ثمة فرص سانحة لللاستفادة من هذا التغيير من قبل اغلب دول البيئة الجيوسياسية المحيطة بسوريا.
ويعتقد أن تركيا تعد الأكثر مصلحة في الاستقرار في سوريا استراتيجياً فيما يتعلق بأمن حدودها الجنوبية، واقتصادياً (20 مليار دولار اتفاقيات سابقة) وعند استعادة سوريا كمعبر للتصدير إلى الأردن ودول الخليج ولبنان، وبذلك تمكّنت تركيا من دعم التغيير لبناء دولة سورية حليفة وصديقة خلال العقود القادمة.
واما إيران فبرغم أن المحللين يعتبرون إيران الخاسر الأكبر في المفهوم التوسعي والطائفي، غير أن التغيير أعطى إيران فرصة جديدة للالتحام مع مصالح العرب وتركيا في الشرق الأوسط، وللاستفادة من البعد الاقتصادي والجيوسياسي السوري الجديد في حال أعادت تموضعها وفق هذا المتغير.
أما لبنان فقد نال الفرصة لانتعاش الاقتصاد بحُرّية ونماء من الطرفين لمصلحة رفاه وتقدم الدولتين، كما فتح التحول الجديد المجال للعودة الآمنة للاجئين السوريين الذي شكّلوا تحدياً لم تتقبله الدولة اللبنانية من قبل أغلب مكوّناتها، وشكّل التغيير الجديد حالة من الحدود الآمنة اللبنانية- السورية والتي يتم ضبطها مستقبلاً ببروتوكولات مشتركة، كما فتح باب التجارة الحرة وتنقّل الشاحنات من لبنان إلى سوريا والأردن وتركيا والخليج.
وأما الأردن فقد حققت له عملية التغيير في سوريا كثيراً من المصالح والأهداف في ذات الوقت، ويفترض أن ينظر الأردن إلى هذا التغيير بوصفه فرصة سانحة وتاريخية لاستعادة دوره الاقتصادي والسياسي والأمن لحدوده الشمالية مع سوريا، وتوقف تهريب المخدرات اليه وعبره الى دول الخليج، وغياب تهديد الجماعات المذهبية المتطرفة عن حدوده الشمالية، كما فتح الفرص الاقتصادية المتعددة في سوريا وعبر وريا الى لبنان وتركيا واوروبا ودول الخليج.
وأما العراق فقد رفع التغيير الجديد في سوريا عن كاهل الدولة هذا العبء الذي حمّلتها إياه علاقاتها الاستراتيجية مع إيران، كما رفع عن كاهلها الأعباء المالية التي قيل إنها بلغت عشرات المليارات خلال العقد الماضي، ولذلك فإن التغيير في سوريا يوفر فرصة ذهبية للعراق للاستدارة تجاه العلاقة مع سوريا لتقوم على أساس الاحترام المتبادل والتكامل التجاري والاقتصادي والصناعي.
وأما إسرائيل فقد شعرت بخطورة التحوّل الجديد لاعتبارات مهمة تتعلق بفكر ومنهج قيادة التغيير وراعي أو داعم هذا التغيير الرئيسي، وهو تركيا، وتحاول إسرائيل بطرق التفافية أن تفرض الأمر الواقع، والضغط على القيادة الجديدة للاعتراف بالكيان الاسرائيلي كأمر واقع بل والتطبيع معه، ويعتقد أن إسرائيل لن تترك فرصة للتدخل في السياسة السورية وشئونها الداخلية إلا وستحاول العبث بها عبر أي أزمات داخلية قد تنشأ.
ويخلص المقال إلى أن التحوّل والتغيير الذي جرى في سوريا في كانون أول/ ديسمبر عام 2024 حمل في طياته التحديات والفرص لمختلف دول البيئة الجيوسياسية- المحيط الحيوي لسوريا الدولة، وأنه سوف ينعكس على هذه الدول وفق قدرتها على استثمار الفرص المتاحة القائمة على الاعتراف بالوضع الجديد أولاً والتعامل مع الدولة السورية على قدم المساواة ثانياً.
وعلى صعيد آخر فإن التحول الجديد في سوريا سيكون له انعكاساته الواضحة على البيئة الجيوسياسية المحيطة في صناعة فرص للتغيير الداخلي في هذه الدول لصالح زيادة مساحات الحريات والتوجهات الديمقراطية، والتوقّف عن ملاحقة الرأي المخالف، وإشراك المجتمع بكل مكوناته السياسية والفكرية والاجتماعية وعلى قدم المساواة في إدارة شئون البلاد.

الكلمات المفتاحية: -

قم بالاشتراك الآن في
مجلة دراسات شرق أوسطية