باحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط، ومقرّرة فريق الأزمات العربي-ACT
الملخص التنفيذي
يتناول هذا التقرير أزمة الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في العالم العربي، وتأتي أهميته في ظل توجهات عربية لإنهاء الأزمات والحروب التي يعيشها العالم العربي من جهة، وفي ظل الإشكالات القائمة بين القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة والنخبة الحاكمة في عدد من دول العالم العربي، وخاصة حول طبيعة الشراكة الشعبية في إدارة السلطة والإرادة التمثيلية للناخبين والمشاركة في صناعة واتخاذ القرار من جهة أخرى.
ويهدف التقرير إلى تقديم رؤية علمية واقعية قادرة على بناء تصورات مشتركة تجاه الإصلاح السياسي اللازم والآليات الديمقراطية التي تفرز التمثيل الشعبي في مختلف الدول العربية، والتي تحقق نوعاً من الانتقال الديمقراطي الآمن.
ويستعرض التقرير توصيف الأزمة وخلفياتها، ويدرس أسبابها ودوافعها وتداعياتها، ويناقش أبعادها المختلفة، ويحلل أطرافها الرئيسيين محلياً وخارجياً، ويستكشف السيناريوهات والاحتمالات الممكنة لتحولات هذه الأزمة واتجاهاتها على المديين القريب والمتوسط.
ويقدّم التقرير رؤيته للخروج من الأزمة، وللتحول نحو السلم الاجتماعي والبناء الحداثي للدول بما في ذلك تطوير المنظومة السياسية، وبما ينظّم العلاقة بين النخب الحاكمة وقوى المجتمع المختلفة، ويحقق الاستقرار والأمن والتنمية في البلاد العربية جماعياً وفي كل دولة على حدة.
يعتقد فريق الأزمات العربي-ACT أن أزمة الإصلاح السياسي في العالم العربي تمثل تحدياً ماثلاً أمام الفكر العربي الحداثي، وأمام محاولات قوى التغيير والتقدم، لبناء نموذج إصلاح سياسي وانتقال ديمقراطي مؤهل للنهوض بالدولة والمجتمع، وبناء الحوكمة والشفافية والعدالة في إدارة مسيرة الدولة العصرية وترسيخ السلم الاجتماعي، وكذلك في إدراك الأسس الجوهرية التي تقف خلف مصادر وبيئة التأزّم التي تصيب البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي، وتسهم في عرقلة مشاريع الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي على المستويات المختلفة.
كما يعتقد أن هذه الأزمة ترتبط بالطبيعة الراهنة لشكل الدول وعناصرها الأساسية والقوى السياسية والاجتماعية في العالم العربي، الأمر الذي يستلزم البحث في أسباب نشوء الأزمة على مختلف المستويات، وكذلك إدراك الأطراف الفاعلة والحاضنة لتلك الأزمة.
ويرى التقرير أنّ ثمة خلافاً نخبوياً في تشخيص أزمة الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في العالم العربي، لكنّ فهم الأزمة وتحديد خلفياتها ومظاهرها ومجالاتها يعدّ أساسياً في حسم اتجاهات الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، حيث ساد الخلل في العالم العربي في منهج بناء الأولويات من جهة، وفي الارتباط بالقوى الدولية، وتنامي التخوفات والحسابات الفئوية للنخب الحاكمة من جهة أخرى، خصوصاً ما يتعلق بالتخوفات إزاء تقوية القوى الاجتماعية والسياسية الوطنية منها والقومية والإسلامية والتي يخشى منها أن تنازعه الحكم في هذه البلاد.
ومع التحوّلات العالمية نحو الديمقراطية في العقود الثلاثة الماضية، واندلاع ثورات شعبية عرفت بـ "الربيع العربي" والتي أسقطت عدداً من النظم العربية عام 2011، يرى التقرير أن إجراءات العديد من الدول العربية في الإصلاح السياسي لم تكن كافية لإحداث الانتقال الديمقراطي وفق مطالب هذه الثورات الشعبية.
ونظراً لتراكم هذه الأزمة فقد أصبح لها خصائص عميقة، من حيث صعوبة الحل، وتداخل عوامل الأزمة وأسبابها، وتشعبها وتداخلها، وحتى توليدها لأزمات أخرى قد تبدو وكأنها هي الأزمة، واختلاف أوزان القوى والفواعل المشكّلة لها من مرحلة زمنية لأخرى، إضافة إلى أنها ليست فعلاً ذاتياً عربياً كاملاً وحسب، إنما دخلت عليها وتسبّبت بتبعثرها أحياناً اعتبارات موازين القوى الدولية والإقليمية وتفاعلاتها ومخرجاتها السياسية.
ويناقش التقرير عدداً من أسباب الأزمة، حيث يبين أن أهمها طبيعة الدولة العربية وسياستها، ومنهجية الحكم والسلطة وإدارة الدولة، وطبيعة السياسات العامة في بعض الدول من حيث الفجوة في تحقيق الأهداف الوطنية وغياب الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتبعثر مشاريع التكامل والتعاون العربي المشترك، الأمر الذي جعل الأزمة مركبة ومتعددة الأبعاد وطنياً على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وقومياً على صعيد المواقف والسياسات تجاه قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ويرى التقرير أن هذه الأسباب قد تسببت بإضعاف المؤسسات السياسية الدستورية والرقابية والتشريعية، وتنامي الأزمات الاجتماعية والفكرية والثقافية، وتراجع فلسفات وقوى الوحدة الوطنية وفلسفة بناء "الجماعة الوطنية" بوصفها الرافعة الكبرى للدولة ومصالحها العليا، لصالح الحزبية والفئوية والجهوية، وفتحت أبواب العالم العربي لمزيد من التدخلات الأجنبية ، واستنزاف الطاقات والموارد البشرية والطبيعية، وزيادة الفجوة بين النخب الحاكمة وشعوبها، وضعف النخبة الحاكمة أمام الضغوط الدولية والإقليمية، خاصة في ظل غياب توجهات وبرامج الوحدة والتكامل العربي والعمل العربي المشترك، وضعف محاولات التكامل الزراعي والصناعي وفي الثروات الطبيعية، ما أضعف مكانة العالم العربي ودوره الدولي والإقليمي.
ويتناول التقرير أطراف الأزمة المحلية من الأنظمة الحاكمة والأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع الوطنية غير الحكومية، والأطراف الخارجية من القوى الدولية المؤثرة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، والدول الإقليمية المؤثرة كإيران وتركيا.
وفي النهاية يستعرض التقرير أربعة سيناريوهات تفصيلية للأزمة: سيناريو الجمود- استمرار الوضع القائم بمعطياته الحالية، والسيناريو الآمن بالتحوّل نحو الإصلاح التوافقي المتدرّج والآمن، وسيناريو القيام بإصلاحات جزئية، وسيناريو انفجار الاحتجاجات الشعبية في "ربيع عربي" جديد، وقد خلص التقرير إلى أنّ السيناريو المرجّح استمراره في المديين القريب والمتوسط هو سيناريو الجمود. وإذا زادت الأزمة من ذروتها في العقد الحالي فمن المتوقع أن تحدث احتجاجات شعبية واسعة النطاق تعيد موجات "الربيع العربي".
ويقدم التقرير رؤية عربية لاحتواء هذه الأزمة وحلها، وفي ضوء التجارب والمحاولات الإصلاحية على مدى العقدين الماضيين، فإن هذه الرؤية للخروج من هذه الأزمة ترتكز على مقاربة شاملة تتضمن: "اتخاذ إجراءات إصلاحية في البنية السياسية تحقّق تقدماً ملموساً في المشاركة الشعبية في صناعة القرار، وتؤسس لمؤسسات رقابية على الأداء الحكومي بشكل مسئول، وتتولى المؤسسات المنتخبة البرلمانية والبلدية بأشكالها المختلفة مهمة الرقابة والتشريع والإسهام في عملية صناعة القرار في البلاد، وتقوم بحماية وتعزيز الحريات العامة، وبناء وتشجيع مؤسسات المجتمع الفاعلة، وجمعيات المهن- النقابات، واتخاذ منهج الحوكمة ومعايير الحكم الرشيد في دعم صناعة القرار، وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني والتنمية الاقتصادية والتقدم العلمي والتقني، لتحقيق الازدهار والبناء الحضاري والمصالح العليا في الدول العربية".
ولضمان تحقق هذه الرؤية يقدم التقرير عدداً من متطلبات النجاح المهمة لهذا المسار، ومن أهمها: توزيع السلطات في واقع ممارسة النخب الحاكمة، وتكريس الديمقراطية والحريات العامة والحريات السياسية بما يعزز القدرة على التغيير والتطوير والإصلاح المستمر في النظام السياسي والإدارات والسياسات الحكومية، وتطوير الدساتير بما يحدد العلاقات داخل النظام السياسي بين الحكم والإرادة الشعبية وتمثيلها، وتصميم خطط عربية مشتركة تستفيد من القدرات التكاملية لتكوين إجماع عربي على ضرورة وسرعة حل الأزمات البينية، ومعالجة بؤر التوتر الداخلية، وبما يحدّ من التدخل الأجنبي الذي عمّق أزمة الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.
الكلمات المفتاحية: