The image shows our cooperation with the online plagiarism detection service PlagScan

ملخص المقال



المقالات والتقارير

الملخص التنفيذي لتقرير: "الأزمة اللبنانية... ومسار الخروج"

فريق الأزمات العربي


يتناول هذا التقرير الأزمة اللبنانية التي اندلعت في 17/10/2019، ويستعرض خلفياتها وديناميكياتها وأبعادها، في محاولة للبحث عن مسار آمن نسبياً للخروج منها بأقل الخسائر، ولتأسيس حالة استقرار تحدّ من تكرارها أو مثائلها في المستقبل القريب.

وتأتي أهمية التقرير ونتائجه من مخاطر الأزمة وتداعيات والإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة.

ويربط التقرير خلفيات الأزمة بأسباب بنيوية نسبياً، ويقدم وصفاً متنوعاً للأزمة اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً، كما يتناول الأطراف ذات الصلة على الصعيد اللبناني والعربي والإقليمي والدولي، ويبيّن مصالح هذه الأطراف وارتباطاتها السياسية والأيديولوجية والاقتصادية والاستراتيجية، وأثرها على الأزمة القائمة، كما يقدّم قراءة مركّزة حول احتمالات تحوّلها واتجاهاتها، وبالتالي رسم بعض السيناريوهات المحتملة من خلال دراستها وتوزينها.

وقد توصل التقرير إلى أن التطور في اتجاهات الأزمة، ودون عوامل جديدة تدخل على خطها للحل، سيؤدي إلى استمرارها مع تحولات تفصيلية داخلها، ودون أن يحقّق حلها كلياً، ولا يؤسس لمرحلة جديدة لحالة استقرار مستدامة في لبنان.

ولذلك يقدّم التقرير مساراً يعتقد أنه ربما يساعد على الخروج من الأزمة ويحسّن فرص سيناريوهات التحول نحو انفراج مهمّ على المدى القريب والمتوسط، ويرتكز ذلك على أهمية التفكير باتفاق لبناني شامل جديد على غرار اتفاق الطائف عام 1989 والذي أنهى الحرب الأهلية 1975-1989، آخذاً بالاعتبار التطورات والتحولات المتنوعة التي أحاطت بلبنان داخلياً وخارجياً منذ ذلك التاريخ.

وكان الدافع الأساس لبحث الأزمة بهذه المنهجية هو اتضاح عقبة ضعف الفاعلية اللبنانية في إمكانات الحل لارتباط مختلف القوى بشكل كبير بقوى إقليمية ودولية، فضلاً عن التضارب بين مصالح عدد من هذه القوى أصلا، والذي انعكس بغياب جديتها في الحل، ولذلك يحاول التقرير دق ناقوس الخطر، مع فتح ثغرة في الحائط المسدود الذي يعيق قدرة اللبنانيين على حل مثل هذه الأزمة.

وفي تحليله لخلفيات الأزمة وطبيعتها، يقدّم التقرير عرضاً سريعاً لطبيعة الدولة اللبنانية منذ ما قبل استقلالها عام 1943 تاريخياً وديمغرافياً وسياسياً، حيث يعد موطناً للطوائف الإسلامية والمسيحية التي ترتبط بقوى خارجية وتوازنات إقليمية ودولية، وتستمد جزءا مهما من قوتها الاقتصادية ونفوذها السياسي الداخلي من قوة ارتباطاتها الخارجية، ما ينعكس على المواقف السياسية والأيديولوجية بين المكوّنات اللبنانية، وقد يكون سبباً في ترسيخ الانقسام وإضعاف الهوية الوطنية.

وتعود بدايات الأزمة اللبنانية القائمة إلى المراحل السابقة للاستقلال، حيث تم اعتماد أول دستور للبنان عام 1926، والذي وضعه المفوض السامي الفرنسي، دو جوفنيل، بعد التشاور مع الزعامات اللبنانية آنذاك، ونصّ الدستور على مجموع الحقوق والحريات العامة التي تقوم على أساس المساواة والحريات الشخصية، لكنه نص في المادة 95 على تمثيل الطوائف بصورة مؤقته في الوظائف العامة، وقيام تشكيل الوزارات على نظريه توازن القوى، وقد حرص النظام اللبناني على تحقيق توازن طائفي ومناطقي وعائلي بين العائلات الرئيسية في الدولة، وتغطية المناصب السياسية على أساس طائفي، كما بُني النظام على أساس توزيع السلطة، مما جعل قرارات الدولة محكومة باستمرار بمساومات الأطراف المعنية.

وكان واضحاً أن كلاً من الدستور والميثاق الوطني واتفاق الطائف، قد ثبّت تقسيم لبنان على أساس طائفي، وكل طائفة تقسّم إلى طوائف فرعية، وصل عددها رسمياً إلى 17 طائفة، ودخلت هذه التوزيعات في عمليات توزيع الحقوق الاجتماعية والسياسية، كما امتدت إلى النظام السياسي، وتمثلت كذلك في حركات وأحزاب سياسية.

ورغم محافظة الديمقراطية التوافقية على وحدة لبنان، إلا أنها لم تمنع من وقوع حروب طاحنة قامت على أساس طائفي كما حدث عام 1975، وتحوّلت الأحزاب والطوائف جراءها إلى ميليشيات مسلحة، فزاد الفراق والانقسام بين الطوائف اللبنانية، وعمّقت انقسام الجيش اللبناني، وأدت إلى عجز السلطة اللبنانية عن بسط سيادتها على الأراضي اللبنانية، وزادت من تدخل أطراف خارجية متعددة.

وبالتالي أصبح المجتمع اللبناني بيئة خصبة ومصغرة لتوازنات القوى الإقليمية والدولية، وانعكاسات الصراع في المنطقة.

ولذلك من الصعب فهم الحالة اللبنانية دون فهم الوضع الطائفي والتدخلات الدولية؛ إذ كانت الطائفة المسيحية تميل للنفوذ الغربي وتدعمها الولايات المتحدة وفرنسا، ولدى الطوائف الإسلامية التوجهات العربية والقومية، وانتقل الصراع بين الأطراف إلى الموقف من سلاح حزب الله "الشيعي" في لبنان بعد عام 2000، ودخلت إسرائيل طرفاً ثالثاً في كل الأزمات اللبنانية منذ قيام الدولة بتدخلات عسكرية، واحتلال وتعاون مع أطراف ضد أطراف أخرى.

واستمر الحال حتى جاءت عملية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005 التي أدت إلى تفاقم الأزمة في لبنان، وانقسام الأطراف المتصارعة إلى فريقين: فريق 14 آذار، وفريق 8 آذار، وكان ذلك نقطة تحول في ميزان القوى الداخلية لصالح إيران وحزب الله، ما عمّق الانقسام وعقّد المشهد السياسي، وانعكس على مجمل الأوضاع الداخلية السياسية والاقتصادية وإدارة الدولة، فضلاً عن تداعيات وانعكاسات الأزمة السورية على لبنان ومكوّناته السياسية.

وفي توصيف الأزمة اللبنانية القائمة يرى التقرير أن لبنان شهد تحولات أساسية مهمة تسببت بتغييرات داخلية وخارجية، وأهمها عجز كل المحاولات الداخلية والخارجية التي بذلت لحل الأزمة المتفاقمة منذ عام 2019، والتي تمتاز بالشمول سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.

ويؤكد التقرير أن لبنان استمر دون حكومة لقرابة العام، ووصل سعر الليرة اللبنانية لحوالي 30.000 مقابل الدولار، وانتشرت ظاهرة الانفلات الأمني والتهريب وتجارة المخدرات إلى الحد الذي أوقفت فيه السعودية استيراد البضائع اللبنانية أو عبورها في أراضيها، إضافة إلى خروج اللبنانيين منذ تشرين الثاني/ أكتوبر 2019 إلى الشارع يضجون بالشكوى من الفساد، وارتفاع الأسعار وسوء الإدارة مطالبين برحيل الطبقة السياسية الحاكمة بالإجمال.

ومرّت على لبنان أثناء ذاك هزة كبيرة تمثلت بانفجار مرفأ بيروت في 4/8/2020، وأدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6000 شخص، وتشريد عشرات الآلاف، مما زاد من كيل الاتهامات إلى جهات داخلية وخارجية حول سبب الانفجار، وتفاقمت الاحتجاجات وتطورت إلى اقتحامات للوزارات، ما اضطر رئيس الحكومة حسان دياب إلى لاستقالة يوم 10 آب/ أغسطس 2020، لكن المظاهرات لم تتوقف، وعاش لبنان فراغاً سياسياً متصلاً حتى تشكيل نجيب ميقاتي للحكومة في 26/7/2021.

ويشير التقرير في البعد الاقتصادي إلى أن لبنان عاش خلال عقد الستينيات ومنتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين بلداً اقتصاديا آمناً، وكان ذا دخل فردي مرتفع، وصنّف عربياً بأنه بوابة العرب إلى أوروبا؛ حيث كان يحتل المركز المالي والتجاري الأول في منطقة الشرق الأوسط، وكان بلداً سياحياً جاذباً، ومنارة للعلم، ولكنه في عام 1976، تعرض لحرب أهلية رافقتها تدخلات عسكرية من دول الجوار، وتدخلات سياسية من دول أخرى أثرت عليه، ففقد كثيراً من ميزاته الحيوية، ودخل مرحلة جديدة عمّقت الطائفية، وزادت من تأثير أصحاب رؤوس الأموال على القرارات السياسية، وظهرت لوبيات رجال الأعمال، واستشرى الفساد في النخبة، وأصبحت القرارات والسياسات الاقتصادية موجهة لخدمتهم، ما زاد الإنفاق الحكومي مدعوماً بتزايد شهية الاقتراض الداخلي، ورفع المديونية الداخلية، وتراجعت الإيرادات الحكومية بسبب تخفيض الضريبة على الشركات وقطاع الأعمال لمستويات متدنية جداً.

ووصل لبنان إلى بلد غارق بدين يعادل 100 مليار دولار، مضافاً إليها 6.5 مليار دولار فائدة خدمة الدين في عام 2020، ونتيجة لتخلف الحكومة اللبنانية عن السداد، أُخرج لبنان من سوق السندات الدولية، ودفع وكالات التصنيف الائتماني الكبرى مثل "موديز" و "فيتش" و "ستاندرد آند بورز" إلى تخفيض تصنيفه إلى حدود الإفلاس.

وهكذا بدأ الاقتصاد اللبناني مسيرته نحو الإفلاس، حيث خسر الناتج القومي حوالي %60 من قوته ليصبح بحدود 18 مليار دولار بعد أن كان قرابة 53 مليار، وانهارت العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، ووصل التضخم حسب مؤشر "ستيف هانكي" إلى ما يقارب %365، ووصلت البطالة إلى 50%، خاصة في قطاع الشباب والكفاءات المتزاحمة على أبواب السفارات طلباً للهجرة، وتفاقمت نسب الفقر بحسب تقارير "الأسكوا"، الأمر الذي ساهم في هروب رؤوس الأموال، واهتزاز الأمن والاستقرار الذي يشكل البيئة الحاضنة للجذب الاستثمار والسياحي.

ويعرض التقرير لأهم الأطراف الفاعلة، داخلياً وخارجياً، في الأزمة اللبنانية القائمة، وأبرز مصالحها، ويؤكد التقرير أن أطراف الأزمة الحالية ورغم التصاقها بجذورها وتقسيماتها الطائفية إلا أنها تجذرت أكثر وتداخلت في كل شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتعمقت ارتباطاتها الخارجية، كما أصبح للقيادات الدينية دور مؤثر في الحياة السياسية، حيث تقسّم الأطراف على أساس الانتماء الديني للطائفة إلى مسيحيين، وهم ينقسمون إلى عدة أقسام، ومسلمون "سنّة"، وفيهم أكثر من تيار، ومسلمون "شيعة" من حزب الله وحركة أمل وغيرهما، إضافة إلى الدروز في أكثر من قسم.

أما المؤسسات الرسمية اللبنانية الفاعلة فيراها التقرير ممثلة برئيس الجمهورية الذي يمتلك  تأثيراً كبيراً من خلال التحالفات والدعم الخارجي وقدرته على تعطيل المراسيم التي يرفعها رئيس الوزراء وتتطلب توقيعه قبل إحالتها لمجلس النواب.

ومجلس الوزراء الذي تعززت صلاحياته بعد اتفاق الطائف، إلا أن التوازنات الطائفية في تركيبته تجعله عاجزاً عن اتخاذ القرارات الحاسمة، حيث يسمّى رئيس الوزراء من قبل كتلة الأغلبية، ويعرض تشكيلة الحكومة على رئيس الجمهورية للموافقة توطئة لرفعها للبرلمان.

والبرلمان الذي تتمثل فيه التركيبة الطائفية والسياسية اللبنانية، وهو مؤسسة مهمة جداً لكنه يخضع للمساومات السياسية، ورئاسة البرلمان من نصيب الطائفة الشيعية.

والجيش اللبناني الذي يتبع له جهاز المخابرات- مخابرات الجيش، وقيادة الجيش، مسيحية مارونية.

وقوى الأمن الداخلي التي يتبع له فرع المعلومات، ويعتبر تابعا للسنة وتحديداً لتيار الرئيس سعد الحريري. وجهاز الأمن العام الذي يرأسه شيعي مقرب من حزب الله. وجهاز أمن الدولة المسؤول عن حماية الشخصيات السياسية والوزراء والسفراء وكبار الشخصيات، ويرأسه لبناني من الروم الكاثوليك، وهو تابع لرئيس الجمهورية، ويتبع نائب رئيس الجهاز لرئيس البرلمان نبيه بري.

أما الكتل والتحالفات السياسية في لبنان فإنها لا تقوم على الطائفية الدينية فقط، وإنما تتعداها إلى الارتباطات الخارجية، والمصالح التي تحكم الوصول للمواقع السياسية، فتجد التحالف يضم أحزاباً وتياراتٍ مسلمة ومسيحية وقومية ويسارية، ورغم وجود هذه التحالفات إلا أن القوى الفاعلة والمؤثرة في الساحة اللبنانية تتمثل في الثنائي الشيعي- حزب الله وحركة أمل، وتيار المستقبل بقيادة سعد الحريري، والتيار الوطني الحر- برئاسة جبران باسيل، والقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع.

ويعرض التقرير للقوى الإقليمية المؤثرة في لبنان، ولديها مصالحها وتأثيرها في الساحة اللبنانية، وأهمها سوريا وإسرائيل وإيران والسعودية، إضافة إلى تركيا وقطر.

وتعدّ الولايات المتحدة وفرنسا أهم القوى الدولية المؤثرة على الساحة اللبنانية؛ فالولايات المتحدة، وفي سعيها لتقليم أصابع إيران في المنطقة حسب زعمها، ولحماية إسرائيل ودعم تفوقها عسكرياً واقتصادياً وأمنياً ولخدمة حلفائها في المنطقة، تنشط في الساحة اللبنانية، وتدعم القوى المناهضة لحزب الله والنفوذ الإيراني في لبنان.

أما فرنسا فلها علاقات تاريخية مع لبنان، خصوصا خلال احتلالها بعد اتفاقيات سايكس بيكو عام 1916، وتسعى من خلال هذه العلاقات، وخاصة مع الطوائف المسيحية والأحزاب الموالية للسياسة الغربية والمناهضة للنفوذ الإيراني، إلى ترسيخ نفوذها، وأن يكون لها دور رئيس في ترتيب الساحة اللبنانية في ظل الانسحاب السعودي والانحياز الأمريكي ضد بعض القوى المهمة مثل حزب الله، وقد طرحت فرنسا مبادرة لتشكيل الحكومة اللبنانية، لكنها لم تنجح إلا بتضافر عوامل أخرى.

وثمة أدوار محدودة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، ومؤخراً الصين اقتصادياً، إلا أنها لا تزال أدوار هامشية غير مؤثرة في معالجة الأزمة اللبنانية.

ويصل التقرير إلى أن الساحة اللبنانية بتركيبتها الداخلية القائمة على الطائفية أصبحت ساحة جاذبة للتدخلات الإقليمية والدولية، وقد دعمت التدخلات الخارجية الولاءات لها على حساب الهوية الوطنية والولاء للبنان، الأمر الذي أدى إلى ضعف الدولة اللبنانية ومؤسساتها الوطنية، وفشلها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطن اللبناني بعدالة واستمرارية، وأدى إلى تآكل مفهوم السيادة اللبنانية لمصلحة القوى الإقليمية والدولية التي اتخذت من لبنان ساحة لحسم صراعاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والأيديولوجية.

وبعد استعراض خلفيات الأزمة القائمة وأطرافها الداخلية والخارجية يقدم التقرير عدداً من السيناريوهات المتوقعة وخيارات الأطراف في التعامل معها، حيث يرى أن ثمة سيناريوهات رئيسة يمكن دراستها في تناول الاتجاه المستقبلي للأزمة، ولخدمة الوصول إلى مسار مناسب للتحول والخروج من الأزمة، وبالتالي تقديم التوصيات المناسبة الفاعلة لتحقيق ذلك.

وأهم هذه السيناريوهات:

-   استمرار الوضع القائم في الأزمة واستمرار تداعياتها، دون التوصّل إلى حلّ يفتح الآفاق للخروج من الأزمة، وفي الوقت ذاته دون اندفاع الأمور نحو حالة من الفوضى والانهيار والاشتباك الداخلي.

-    الانفراج وتجاوز الأزمة سياسياً واقتصادياً، يرجّح فيه نجاح القوى اللبنانية والجهات الإقليمية والدولية المؤثرة في التوصل إلى مقاربات سياسية توافقية تنهي حالة الانسداد السياسي القائم، وتتيح تشكيل حكومة فاعلة وصاحبة صلاحيات، وقادرة على مواجهة تداعيات الأزمة القائمة، وتحجّم الأسباب الأساسية للخلاف والتنازع الداخلي القائم في الأزمة.

-   الانتقال إلى الفوضى والانهيار السياسي والاقتصادي والأمني، (انهيار الدولة، وحرب أهلية، وتقسيم طائفي)، ويرجحّ هذا السيناريو فشل الأطراف المؤثرة في مسار الأزمة بالتوصّل إلى حلول توافقية تنهيها، وانهيار الأوضاع الاقتصادية، والحلول المؤقتة التي تحتوي دوافع الأزمة، وبالتالي فتح الباب على الانزلاق نحو الفوضى وربما المواجهة والاشتباك الداخلي.

وبعد استعراض مجمل شروط السيناريوهات والعوامل المؤثرة فيها، وبالوقوف على تأثير المحددات والوقائع يرجح التقرير فرص تحقق السيناريو الأول- استمرار الوضع الحالي للأزمة، لكنّ الفرصة تبقى محتملة للتحول نحو أي من السيناريوهين الآخرين، حيث إن الوضع ومحدداته والعوامل المؤثرة والفاعلة فيه تجعله قابلاً للاندفاع نحو سيناريو التحول والانتقال إلى الفوضى والانهيار في أي وقت، في حال تعزّزت العوامل السلبية المؤثرة في مسار الأزمة، والتي بيّنها التقرير.

وفي الوقت ذاته فإن الفرصة ليست مغلقة أمام سيناريو التحول إلى الانفراج والخروج من الأزمة في حال توفّرت إرادات قوية للعب دور مبادر لإنهاء الأزمة، وقررت القوى اللبنانية والأطراف الإقليمية والدولية تعديل خياراتها وتطوير مواقفها، وامتلكت الرغبة بالتوصل إلى حلّ للأزمة يحافظ على استقرار لبنان ولا يسمح بوصوله إلى حالة الانهيار.

وفي جزئه الأخير يقدّم التقرير مسار التحول والخروج من الأزمة في لبنان، حيث يؤكد بداية على أن لبنان، ورغم احتضانه لبنية سكانية كان من المفترض أن تشكل له عنصر قوة، ومصدراً لكل المشاكل التي عصفت به ولا زالت، إلا أنها تشكل مصدراً مستمراً لتهديد وجود الدولة الحديثة؛ حيث ظهر في التحليل أن اللبنانيين بكل اتجاهاتهم السياسية والاجتماعية ليس لديهم الثقة الكاملة بأنهم قادرون على حل الأزمة دون تدخلات خارجية، ناهيك عن الاستعداد العملي لمختلف القوى لقبول التدخل الخارجي، حتى لو استخدم هذا التدخل لمصالح هذه القوى الخارجية، وأن الأطراف الإقليمية والدولية لا تعمل لحل الأزمة اللبنانية من جهة، ولا تنسق فيما بينها بجدية مناسبة من جهة أخرى.

ويرى التقرير أن الحل المقترح يجب أن يخاطب العقل اللبناني نفسه من منطلق مصالحه الجمعية المتحققة، وأن يكون عملياً وواقعياً وقابلاً للتطبيق وفق رؤية واضحة ومعالم محددة، مع بيان دور مختلف الأطراف في الحل، خاصة أن الوضع في لبنان أصبح ضاغطاً على كل القوى والطوائف، خصوصاً ما يتعلق بخطر الانهيار الاقتصادي، الأمر الذي يسبب القلق لدى الجميع كما يهدد مصالحهم جميعاً.

وينظر المقترح لعملية الإصلاح والتحول السياسي والاجتماعي، كمتطلب أساسي لحل الأزمة، الأمر الذي يستند عادة إلى الإرادة الحقة نحو الإصلاح، وتوفر أدواته المدنية المتمثلة بالقوى التي تسعى نحو ذلك فعلياً، ووضوح خريطة الطريق المتفق عليها من جميع الأطراف المعنية، وإنجاز مراحله المتدرجة وفقها، ومواجهة المعضلات القائمة والمتوقعة في طريق تحقيق الأهداف المنشودة من الإصلاح اللازم لانهاء الأزمة في لبنان.

ويرى التقرير أن اجتماع الطائف في 22 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1989 ربما يشكل نموذجاً لتلك المساعي التي أخمدت نار الاقتتال الداخلي المشتعلة في لبنان آنذاك، ويمكن تخليق نموذج جديد يستفيد من أسس ذلك النموذج ويطوره، آخذاً بالاعتبار مجمل التطورات اللبنانية بمختلف أبعادها منذ 1990 وحتى 2022.

ولذلك يقترح التقرير التفكير بالمخرج من الأزمة وفق مبادئ رئيسية تشكل قاعدة للانطلاق نحو الإصلاح الشامل، وأهم معطياتها حفظ الأمن والاستقرار في البلاد، والحفاظ على الدولة وتعزيز دورها، وتأكيد سلطتها على كل الأرض الوطنية، ووحدة الجيش والأمن والقوى المسلحة في إطار ناظم واحد، تحت قيادة رئيس الوزراء عبر وزير الدفاع المكلف مباشرة، وكسر الجمود القائم في التفاعلات الوطنية الداخلية بين الأحزاب والقوى الوطنية، وقطع أو تخفيض مستوى الارتباط لبعض القوى المحلية بالدول الخارجية، ووضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبار إثني أو طائفي، وقيام جامعة الدول العربية والدول العربية ذات الثقل بدور أساسيّ في تقريب الأطراف اللبنانية، ودعم هذا المسار للخروج من الأزمة، وتقديم الحلول العملية الفاعلة والممكنة التحقيق للبعد الاقتصادي للأزمة، وتطبيق استراتيجية الحلول الاقتصادية، من خلال إصلاحات إدارية في مؤسسات الدولة، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لوقف هروب رؤوس الأموال، وتحقيق قدر مهم من الاستقرار السياسي والأمن في البلاد لضمان اقتصاد واستثمارات آمنة وفاعلة، ومفاوضات جادة وحقيقية مع الدائنين الدوليين والمحليين لبلورة اتفاق على نسب فوائد متدنية ضمن آليات مساعدة فنية من الجهات الدولية المختصة، وإعادة جدولة الديون الخارجية بشروط ميسرة، وتوجهات الدائنين الخارجيين بإلغاء كامل ديونهم أو بعضها وفق ضغوط أصدقاء دوليين لتخفيف حجم الجدولة وقيمتها السنوية، وبلورة اتفاق مع صندوق النقد الدولي لجلب تمويل عالٍ ضمن خطة خمسية عنوانها الأساسي الإصلاحات الجوهرية في ملفات جوهرية أولها قطاع الكهرباء، وقروض من صندوق النقد الدولي للحكومة لبناء ما يلزم من احتياطيات من العملة الصعبة لدى مصرف لبنان (البنك المركزي) لدعم استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية، وضبط الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات، من خلال الإصلاح الضريبي والمالي للحكومة، وتعزيز قيم الحوكمة الرشيدة في إدارة القطاع العام.

عودة