حدث تحوّلٌ استراتيجي في السياسة
الخارجيّة الصينيّة، والتي حددت إطاراً
لسياسة بكين خلال الأعوام الثلاثين القادمة لجعلها في مركز أقرب إلى صدارة العالم
في القرن الحادي والعشرين. ولهذا تسعى الصين إلى تعزيز
استثماراتها وتدعيم علاقاتها
الاقتصادية مع كل دول العالم خاصة ذات الأهمية الجيواستراتيجية بهدف تأمين
احتياجات الصين الاقتصادية المتسارعة من الطاقة ومواكبة النمو المطرد للاقتصاد
الصيني، ولاسيما بعد طرحها مبادرة الحزام والطريق عام 2013، والتي تمثل الطموح
الجيو- سياسي الذي يعزز سياسة "حزام واحد، طريق واحد الصينية"، بهدف إعادة
خلق الممر التجاري القديم "طريق الحرير"، الذي ربط الصين بوسط آسيا
والشرق الأوسط وأوروبا.
كما استطاعت الصين تشكيل ممرات
وطرق خاصة لمبادرة الحزام والحرير لتدعيم دورها على الصعيد الإقليمي والدولي إذ لم
تعد المسألة اقتصادية فقط، حيث تتضمن المبادرة العديد من الطرق والممرات ومنها، الحزام
الاقتصادي لطريق الحرير البري "The Silk Road"، وطرق الحرير البحرية "Maritime Silk"، وفي إطار تطوير مبادرة الحزام والحرير استحدثت الصين طريق الحرير
القطبي"Polar Silk Road" باعتباره الفرع الثالث
للحزام والطريق، حيث يتضمن الطريق البحري الشمالي على ثلاث ممرات بحرية: الممر
الشمالي الغربي، والممر الشمالي الشرقي الذي يقع على الحدود مع الأراضي الروسية
وصولاً إلى السواحل النرويجية، بالإضافة إلى الطريق البحري (الذي يمر في المياه
الدولية).
وقد تناول هذا التقرير الآليات
التي اتخذتها الصين لتدعيم العلاقات المشتركة بين الجانبين، وتطوير علاقاتها
السياسية والاقتصادية من خلال منتديات التعاون الإقليمي، وأهم الانعكاسات الأولية لأزمة كورونا على العلاقات الاقتصادية العربية-
الصينية.
وقد خلُص التقرير إلى أن توظيف الصين مبادرة "طريق الحرير الصحي" من خلال
مبادرة الحزام والطريق في تعزيز مكانتها دولياً يعتمد على عدة عوامل هامة: أولاً
مدى قدرة الصين على تجاوز المشكلات الاقتصادية الداخلية التي أسفرت عنها أزمة
فيروس كورونا لتحتل مكانة هامة في النظام الدولي، ثانياً:
حجم المساعدات الطبية التي تقدمها الصين للدول العربية، ولهذا فإن التداعيات السياسية
والاستراتيجية لأزمة فيروس كورونا (كوفيد-19) ستكون أحد العوامل المؤثرة التي سيترتب
عليها آثاراً بنيوية عميقة في النظام العالمي بشكل عام وعلى طبيعة العلاقات
العربية الصينية بشكل خاص.