The image shows our cooperation with the online plagiarism detection service PlagScan

ملخص المقال



المقالات والتقارير

الأزمة الجزائرية.. إلى أين؟

فريق الأزمات العربي


شكّلت التحولات السياسية في الجزائر منذ شباط/ فبراير 2019 أزمة عربية جديدة، ونظرًا لتداعياتها على الجزائر وعلى المنطقة العربية، فقد رأى فريق الأزمات العربي- ACT أن يُخصّص هذا العدد من تقاريره لبحثها؛ حيث يتناول خلفيات الأزمة وتوصيفها وأسبابها، ومواقف الأطراف الدولية والإقليمية منها، وسيناريوهات مستقبل الأزمة وخيارات أطرافها، ويختم التقرير بتقديم عدد من التوصيات لأطرافها.

تشهد الجزائر منذ شباط/ فبراير 2019 حراكًا شعبيًا تمثلت أولى مطالبه بعدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة -المعتلّ صحيًّا- لولاية جديدة وإقالة رئيس الوزراء. وتميّز هذا الحراك بمشاركة مختلف الطيف الحزبي والشعبي، وعلى شاكلة موجات الربيع العربي فقد حاول الحراك كسب ودّ المؤسستين العسكرية والأمنية، كما تميّز بقدرته على الاستمرار والتنظيم ورفض التدخل الخارجي في شؤون الجزائر. وقد نجح الحراك، وبدعمٍ من المؤسسة العسكرية، بفرض استقالة الرئيس بوتفليقة، وهو ما أعقبه إقرار المجلس الدستوري في البلاد بشغور منصب الرئيس حسب المادة 102 من الدستور، واجتماع البرلمان في 9 نيسان/ أبريل 2019 وتعيين عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمّة رئيسًا للبلاد إلى حين إجراء الانتخابات. وعلى الرغم من تشكيل لجنة للحوار والوساطة وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول/ ديسمبر القادم، فما زالت الجزائر تشهد حالة من عدم اليقين وغموض الرؤية والجدل في ضوء بقاء جزء من الحراك يرفض تنظيم الانتخابات ببقاء الحكومة الحالية التي يطالب الحراك ولجنة الحوار والوساطة بإقالتها كشرط أساسي لتنظيم الانتخابات.

تشَكّل جوهر الأزمة الراهنة في الجزائر، منذ توقيع وثيقة "ميثاق طرابلس" عام 1962، والتي خلّفت إرثًا معقدًا في إطار توزيع المناصب بين المدنيين والعسكريين داخل المكتب السياسي لجبهة التحرير الجزائرية، وبين الولاءات الشخصية أو الجهوية المناطقية، وعندما أُعلنت الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وتحقق انضمامها رسميًّا إلى الأمم المتحدة في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 1962، كانت وفي المقاعد الخلفية للهيئات القيادية للحكومة الجديدة ملامح أزمة بالغة التعقيد والخطورة على مستقبل الجمهورية الفتية والحديثة التكوين والخبرة في إدارة البلاد، وأساسها تعقيد تركيبة النخبة الحاكمة وتداخل صلاحياتها وتوجهاتها. وفي المقابل فرض الدستور الأحادية الحزبية واختيار الطريق الاشتراكي في إدارة اقتصاد الدولة، إلى جانب تشديد المركزية بحصر الكثير من الصلاحيات في موقع رئيس الجمهورية، وتقليص صلاحيات المجلس التأسيسي أو الجمعية الوطنية "البرلمان"، حيث تحوّل مركز اتخاذ القرار إلى موقع رئيس الجمهورية حصرًا.

التزمت الأطراف الدولية الصمت والنأي بالنفس عن اتخاذ مواقف حاسمة وواضحة من الأزمة في الجزائر، وساد الحذر والتخوف على مواقف هذه الأطراف التي يعزوها خبراء إلى غياب الرؤية والتوقعات المستقبلية لما يمكن أن تسفر عنه تطورات الأزمة. وعلى الصعيد الإقليمي سيطرت الأبعاد الإقليمية على الأزمة في ضوء تصدّر القضيةِ الأمنية الإقليمية السياسةَ الخارجيةَ الجزائرية خصوصًا في ظلّ تنامي المشكلات المحيطة بالبلاد، والاختراقات الحدودية من قِبل جماعات مسلحة من جهة ليبيا ومالي، وصعوبة ضبط الحدود مع الدول المجاورة؛ حيث يزيد المجموع الكلي للحدود البرية عن 6 آلاف كم.

في ضوء معطيات الأزمة الحالية يمكن الوقوف عند أربعة سيناريوهات رئيسة محتملة لمستقبل اتجاهات هذه الأزمة خلال الفترة القادمة، وهي: الحل السياسي التوافقي والانتقال الآمن للسلطة، وجمود الأزمة واستمرار الوضع الحالي، وتفاقم الأزمة وتصاعدها نحو الفوضى والمواجهة، وانقسام المؤسسة العسكرية وتراجع دورها في إدارة الأزمة. ولدى قراءة تأثير العوامل المختلفة على مسار الأزمة، والوقوف على خيارات أطرافها، يتضح أن فرص نجاح سيناريو الحل السياسي تواجه معوّقات وتعقيدات قد تتسبب في تعثره، الأمر الذي قد يترتب عليه عواقب وخيمة على الدولة الجزائرية وعلى مختلف أطراف الأزمة، وهو ما ينبغي أن يدفع أطراف الأزمة لإعادة النظر في خياراتها وتوجهاتها وسلوكها الحالي نحو حلول وسيطة تحقق لكل طرف نسبة من مطالبه، وذلك تحقيقًا للمصالح الوطنية العليا للجزائر، وتجنّبًا للعواقب السلبية التي تترتب على سيناريوهات المواجهة والفوضى، أو استمرار حالة الاحتقان السياسي، أو انقسام المؤسسة العسكرية.

يقدم فريق الأزمات العربي- ACT  عددًا من التوصيات أبرزها، 1) دعوة جميع أطراف الأزمة إلى تبني الحلّ السياسي التوافقي للأزمة الجزائرية بوصفه الخيار الأمثل لتحقيق العديد من مصالح الأطراف، 2) ودعوة جميع الأطراف للحرص على حالة الهدوء والاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، والحيلولة دون أي توترات أو أعمال عنف قد تخرج الأزمة عن مسارها السياسي السلمي، 3) وضرورة بلورة صيغة للحوار الوطني الجادّ ليشمل جميع الأطراف دون استثناء أو إقصاء، وإبقاء الأزمة في سياقها المحلي، 4) وعدم السماح بتدخل أيّ أطراف خارجية قد تسبب تعقيد الأزمة ومواقف الأطراف، 5) واحترام مختلف الأطراف لمخرجات العملية الانتخابية أيًّا كانت نتائجها بعد التوصل إلى توافق على إجرائها شكلًا ومضمونًا وزمانًا.

عودة