The image shows our cooperation with the online plagiarism detection service PlagScan

ملخص المقال



ملف العدد

قراءة في الحراك الشعبي السوداني 2019

عبد الله الشيخ


لم يعد السودان كما كان قبل الحراك الشعبي الذي اندلع في كانون الأول/ ديسمبر 2018 وتوغل الآن في شهره الرابع، دون أن تتمكن حكومة الرئيس عمر البشير من معالجة أسبابه. حيث بدأ الحراك بمظاهرات عفوية احتجاجًا على ندرة الخبز والوقود، لكنه سرعان ما لبس ثوبه السياسي في مجتمع تتجذر فيه ثنائيات الاستقطاب الحادّ، بين يمين ويسار، مدنيين وعسكر، طائفيين وقوى حديثة.

إن تواصُل الحراك للشهر الرابع يعدّ حدثًا فريدًا، ويتوقع أنّ يزداد أواره، إذ إنّ أسبابه ماثلة ومرشحة لمزيد من التفاقم، وقد خابت توقعات الحكومة في خفوته بعد إعلان حالة الطوارئ التي تتضمن عقوبات مشددة وقاسية ضد المتظاهرين تصل بهم إلى حدّ الإعدام. ويتوقع أن يكون هدير الشوارع كبيرًا في مناسبة استذكار الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام جعفر النميري في السادس من نيسان/ أبريل 1985. لكن المظاهرات وحدها لن تُسقط نظامًا عقائديًا كهذا، وقد لا يكون سهلًا على القوى الحزبية إعادة تجربة الماضي برفع سلاح الإضراب السياسي أو تنفيذ عصيان مدني شامل، لأن تنظيم الحركة الإسلامية تحسب باكرًا لمثل هذه الخطوة التي أسقطت نظامين عسكريين من قبل، فكان أن أحكم قبضته على الخدمة المدنية والجيش والشرطة والأمن، وحولها إلى كيانات شبه عقائدية.

 يرى مراقبون أنّ تجنيب السودان مأزق الفوضى، يتأتى بالتوصل لاتفاق مع النظام برعاية أطراف خارجية، تهيئ للبشير ونظامه خروجًا آمنًا وضمانات مؤكدة، بعدم المثول أمام المحاسبة على ما اُقتُرف من جرائم. ولكن، لئن كانت مثل هذه الضمانات ممكنة في ما يتعلق بجرائم منظورة أمام القضاء السوداني، فإنه لا توجد جهة واحدة- ولا حتى أمريكا- تستطيع مساعدة أي متهم للإفلات من العقاب والمثول أمام محكمة العدل الدولية.

ولم يتكشّف بعدُ ما إذا كان حزب المؤتمر الوطني الحاكم، قادرًا على تقديم تنازلات قاسية كتلك التي تطلبها المعارضة، لكن هناك إشارة رمى بها مقربون من الرئيس البشير، توحي باستعداده للانسحاب من المسرح السياسي، حال تأمين ظهره بخليفة مؤتمن، وردت الإشارة في ثنايا مقال كتبه الطيب مصطفى، خال الرئيس البشير، جاء فيها أنّ الحزب الحاكم، قد يختار البروفسير إبراهيم غندور وزير الخارجية السابق، مرشحًا رئاسيًا في انتخابات العام 2020.

 جدير بالذكر أن الرئيس كان قد دعا البرلمان إلى تأجيل النظر في التعديلات الدستورية التي تمهد له الترشح للرئاسة، وهذه الإشارة يُمكن أن تؤخذ كأينع ثمرة للحراك الشعبي، وإلّا فإن الأزمة الاقتصادية التي تضرب السودان بقسوة، كفيلة بتركيع نظام البشير ودفعه لمغادرة السلطة، لكنه الخيار الصعب الذي سيدفع فيه الطرفان– الدولة والمجتمع- ثمنًا غاليًا.

عودة