The image shows our cooperation with the online plagiarism detection service PlagScan

ملخص المقال



المقالات والتقارير

الأزمة الطائفية في العالم العربي إلى أين؟

فريق الأزمات العربي


 

تُشكِّل الأزمة الطائفية في العالم العربي أحد أبرز الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، ونظرًا لأهمية هذه الأزمة وتداعياتها الخطيرة، فقد رأى فريق الأزمات العربي-ACT أن يُخصص هذا العدد من تقاريره لبحثها؛ حيث يتناول بدايةً خلفية الأزمة وواقعها، ويلخِّص تداعياتها، ومن ثمَّ، يَرسم السيناريوهات المتعلقة بتطور الأزمة، ويحدد في ضوئها جملةً من العوامل والمُحدّدات التي تؤثر في مسارها المستقبلي، وأخيرًا يقدّم عددًا من التوصيات للأطراف المعنية من أجل زيادة فرص تحقق سيناريو إنهاء الأزمة، والخروج من حالة الانقسام والمواجهة الطائفية.

توسَّع تهديد الأزمة الطائفية في العالم العربي ليشمل كلاً من العراق وسوريا واليمن ولبنان والسعودية والبحرين وباقي دول الخليج، بل وتعدّى ذلك إلى دول في إقليم الشرق الأوسط  وخارجه مثل؛ إيران وتركيا والباكستان وأفغانستان. ويُجمع المراقبون لذلك بأن الأزمة قد وصلت إلى الحدّ الذي بات يُهدد أمن الدول العربية واستقرار مجمل دول الإقليم.

وما زالت الطائفية تُعدّ أكثر الأوراق استخدامًا لإثارة النزاعات، وعدم الاستقرار في العالم العربي في ضوء استمرار الفشل في حسم الخلافات الدينية أو المذهبية على أسس فكرية ومرجعية دينية، فضلًا عن التقصير الرسمي والحزبي العربي في تشكيل الجماعة الوطنية وفق أهداف ومصالح عليا تحظى بالإجماع الوطني بهدف تحقيق التنمية والاستقرار الداخلي من جهة، ومواجهة التحديات الخارجية من جهة أخرى.

وعلى أهمية العامل الذاتي في الموضوع الطائفي، غير أنَّ العامل الخارجي يبقى حاضرًا ومؤثرًا، خصوصًا أن استراتيجية وتفكير المحافظين الجدد في الولايات المتحدة؛ فضلًا عن خططهم في الشرق الأوسط قد تأثرت بنظريات التفتيت الطائفي التي روّج لها المؤرخ برنارد لويس، ومن هنا تبنوا بوضوح استراتيجية التدخل والتفتيت بدءًا بغزو أفغانستان ثمّ العراق. وفي هذا السياق بدأ مفهومًا استهداف الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، مؤسسات الدولة العراقية البنيوية وتدميرها أو إفسادها وإحلال مؤسسات بديله على أساس طائفي مكانها.

ويُجمل التقرير أبرز تداعيات الأزمة الطائفية في العالم العربي في عدد من المظاهر، ومن أبرزها: استنزاف مقدرات الدول العربية في صراع طائفي على حساب الأولويات الداخلية الحقيقية المتمثلة في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية الشاملة. وتفتيت النسيج الاجتماعي للدول العربية وانقسام مجتمعاتها إلى طوائف تتبارى في اتهام بعضها بعضًا مما يزرع الشك واليأس لدى هذه المجتمعات بشأن إمكانية التعايش داخل الوطن الواحد، بل وبإمكانية بناء مثل هذا الوطن الذي يفترض التضامن والتكافل والتعاون، ويفرض وحدة مصير جميع أبنائه. والتحول عن المخاطر الحقيقية والحتمية التي تتهدد الدول العربية، وخصوصًا المخاطر الخارجية مثل التهديد الإسرائيلي، وتعزيز الانتماء الطائفي على حساب الانتماء للوطن والدولة وعلى نحو يضرّ بالمصالح العليا للدول العربية على المستوى الوطني والقومي. والدفع باتجاه أجيال عربية جديدة تُقدِّم الانتماء والولاء الطائفي على حساب الانتماء الوطني الأشمل، ومُتَشبِّعة بالثقافة الطائفية.

ويُقدِّم التقرير اثنين من السيناريوهات المتوقعة للأزمة الطائفية في العالم العربي؛ أولها استمرار الأزمة بوتيرتها الحالية المتصاعدة، وثانيها إنهاء الأزمة والخروج من حالة الانقسام والمواجهة الطائفية. ويحدد في ضوئها جملةً من العوامل والمُحدّدات التي تؤثر في مسار الأزمة المستقبلي، ومن أبرزها: مستقبل الأزمات في سوريا والعراق واليمن، وموقف كل من إيران وحلفائها، إضافةً إلى السعودية وبعض الدول العربية الأخرى من استمرار الأزمة، ومستقبل العلاقات التركية - الإيرانية، والدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في الأزمة، ومستقبل وجود تنظيم داعش، والتنظيمات المتطرفة المشابهة له من جهة، وقوات الحشد الشعبي الشيعي والتنظيمات المماثلة له من جهة أخرى، وأخيرًا سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاه المنطقة وخصوصًا تجاه العلاقة مع إيران والأطراف العربية، وكذلك موقفها من الأزمتين العراقية والسورية.

ويُرجِّح التقرير استنادًا على السلوك الحالي للأطراف المباشرة وكذلك المؤثرة في مسار الأزمة، فرص استمرار حالة التحريض والاستقطاب والمواجهة الطائفية خلال الفترة القادمة، ما لم يطرأ تغير جوهري على العوامل المؤثرة في استمرار الأزمة وعلى مواقف القوى الفاعلة إقليميًا ودوليًا إزاءها.

ومن أجل زيادة فرص تحقق سيناريو إنهاء الأزمة والخروج من حالة الانقسام والمواجهة الطائفية يقترح تقرير فريق الأزمات العربي عددًا من التوصيات، ومن أهمها: وقف جميع أشكال التحريض الطائفي، والامتناع عن خطاب الكراهية والاتهام والتخوين، وإشاعة ثقافة القبول بالآخر المختلف دينيًا وطائفيًا وثقافيًا وعرقيًا، والتأكيد على أهمية التعايش الإيجابي على قاعدة البحث عن القواسم المشتركة. وإعلان وقف إطلاق النار في جميع مناطق الصراع المسلح بإشراف وآلية دولية تحت البند السابع وخصوصًا في كلٍّ من العراق وسوريا واليمن. وفتح حوار على أعلى مستوى بين المؤثرين في مسار الأزمة، على صعيد الحكومات والهيئات والنخب السياسية والفكرية والثقافية، من أجل احتواء الأزمة وتهدئة الأجواء، والبحث عن مخارج وتفاهمات تُسهِم في حلها وتأخذ بعين الاعتبار مصالح مختلف الأطراف، والقيام بوساطات إقليمية من الأطراف التي لم تنخرط في الأزمة، لكنها تكتوي بنارها ولها مصلحة أكيدة في وضع حدٍّ لها، وخصوصًا الأردن وتركيا بالتعاون مع أطراف خليجية ومغاربية وعربية وإسلامية أخرى.

عودة