شهدت الحياة السياسية العربية والاقليمية مجموعة من
المتغيرات في السنوات الثلاث الأخيرة، شكلت ما يمكن أن يشير إلى تغيير دراماتيكي
في مسار المنطقة بالكامل. وعلى الرغم من حالة التغيير المستمر في مسار الأحداث،
وسرعة انتقالها من حالة إلى حالة أخرى، مما يعقد إمكانية التنبؤ بما تحدثه من
تغيرات في مناطق حدوثها، إلا أن مجمل هذه التغيرات كان له أثره على طبيعة ومسار الصراع العربي الإسرائيلي. حيث أن
حالة الصراع العربي –الإسرائيلي، حالة
اعتمادية أكثر منها حالة ذاتية العوامل. فهي رهينة مجموعة المتغيرات الإقليمية
والدولية، أكثر منها حالة متشكلة بناء على المتغيرات الذاتية فقط.
وبالتالي فإن دراسة المتغيرات المحيطة بحالة الصراع
العربي – الإسرائيلي، كالمتغيرات العربية والإقليمية قد تقود إلى إمكانية استشراف
مستقبل المتغيرات التي قد تحدث على الصراع
في المستقبل. وتأثيره بشكل أساسي في مكوناته أولا، وفي طبيعة اتجاهاته ثانيا. وذلك
من خلال دراسة ما قد تحدثه هذه المتغيرات
على مسارين يؤثران بشكل مباشر في الصراع العربي الإسرائيلي، المسار الأول وهو عملية التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية، والثاني وهو المقاومة
الفلسطينية.
وقد خلص التحليل إلى أن المشهد العربي العام كان له جملة
من الانعكاسات والآثار الداخلية التي تركت آثارا على الصراع العربي الإسرائيلي حيث
أعاد الروح إلى الشارع العربي، إضافة إلى غياب أشكال المحاور التي سادت قبل الربيع
العربي _محور الاعتدال ومحور الممانعة، وضعف أكبر نظاميين عربيين _ النظام المصري،
والنظام السوري
أما على الصعيد الإقليمي وبالذات إيران وتركيا
لما لهما من أهمية في المنطقة، فقد بدا ضعف الاهتمام بالقضية الفلسطينية من
الجانب الإيراني، إضافة إلى توقع استغلال التقارب الأمريكي – الإيراني من قبل
إسرائيل لتحقيق مكاسب على حساب القضية الفلسطينية. وبالنسبة لتركيا التي تشكل على صعيد المنطقة العربية نموذجا في قضايا
الاصلاح في المنطقة بأبعاده المختلفة، فيتوقع أن يكون لها تأثيراً إيجابيا على
القضية الفلسطينية، وذلك بسبب الدور التركي المميز على صعيد العلاقات الداخلية
الفلسطينية – الفلسطينية، إضافة إلى دعمها لعملية السلام.
وفيما يخص المتغيرات الفلسطينية فيشير التحليل إلى وجود مجموعة
من الإشكاليات الداخلية والخارجية التي تعاني منها الحياة السياسية الفلسطينية
اليوم، ومنها الضعف الذي تعاني منه التجمعات الفلسطينية المختلفة، على الصعيد
الداخلي إضافة إلى ضعف المحور العربي الذي يفترض أن يشكل ورقة دعم للقضية
الفلسطينية وذلك على الصعيد الخارجي.
وقد خلص التحليل إلى بعض السيناريوهات المتوقعة، فعلى صعيد
الصراع العربي الإسرائيلي فيتوقع استمرار حالة الصراع على ما هو عليه، أو الانفتاح
الجزئي، أو التصعيد وحالة الانغلاق التامة. أما على الصعيد العربي
والإقليمي فتتمثل هذه السيناريوهات في تدعيم مفهوم الحكم الراديكالي والديكتاتوري
في البلدان العربية والإقليمية، وهذا نابع من حالة المهادنة التي يعيشها الصراع
العربي الإسرائيلي منذ عشرات السنين، أو إمكانية تشكيل مشروع إسلامي ثوري
من شأنه أن يعيد حالة الخوف وعدم الاستقرار لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، أو
نجاح جزئي للثورات والانتفاضات، يؤدي إلى تحسين ظروف الحياة السياسية والاقتصادية
في المنطقة العربية، دون أن ينشغل بعملية الصراع مع إسرائيل، ودون أن يسعى لتغيير
موازين القوى في المنطقة.