أثار موقف تركيا من عملية عناقيد الغضب
الإسرائيلية تساؤلات كثيرة حول دوافعها وخفاياها، ولكن هناك عدة عوامل فرضت على
تركيا اتباع سياسة شرق أوسطية جديدة، منها التخوّف التركي من ازدياد الابتعاد
والعزلة إقليمياً، وقناعة تركيا بأن إسرائيل هي الأقرب إليها من ناحية التقاء
المصالح والأهداف، وأن العالم العربي غير قادر على طمأنة تركيا وتسهيل رغبتها في
لعب دور إقليمي ريادي، وأن ايران لن تكون في عداد الحلفاء أو الأصدقاء لتركيا،
وكذلك تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية الذي فرض على صُنّاع القرار التعاونَ مع
دول ومجموعات اقتصادية وأمنية لوقف هذا التدهور.
وبخصوص الخارطة السياسية الداخلية
الجديدة فقد جعلت الانتخابات التركية العامة الأحزابَ والحركات الإسلامية أشدَّ
تمسّكاً بإسلامها وبإصرارها على تسلم سدّة الحكم في البلاد، في المقابل دفعت
الأحزاب العلمانية واليسارية إلى الالتصاق والتصلّب بشكل أكبر بعلمانيتها في
محاولة لمواجهة الزحف الإسلامي الجارف.
واللافت للنظر أيضاً أن الانتخابات
دفعت الغرب إلى اتباع سياسة أكثر حذراً تتجنب استفزاز القوى الإسلامية التركية
بسبب حالة الاهتزاز التي يعاني منها الائتلاف الحاكم.
أما على صعيد العلاقات التركية العربية
فيرى حزب الرفاه أن تخوّف بعض الأنظمة والقيادات العربية من سياسات الحزب أمر في
غير موضعه، وأن تركيا لن تتحول إلى إيران ثانية.
ومن أبرز القضايا التي أثَّرت على
العلاقات التركية العربية موقف تركيا من العدوان الإسرائيلي على لبنان، والاتفاقية
العسكرية بين تركيا وإسرائيل، وخفض نسبة عبور الماء باتجاه الأراضي السورية من نهر
الفرات.
أما عن العلاقات التركية الإسرائيلية
فإنها أصبحت أكثر علانية، وتمّ توقيع اتفاقية السوق الحرة بين تركيا وإسرائيل،
وتوقيع اتفاقية لتبادل الخبرات بين الدولتين والتعاون بين الجانبين في المسائل
الأمنية والعسكرية.
وفي مستقبل العلاقات العربية التركية
تبدو مشكلة التواصل المباشر بين العرب والأتراك بهدف فهم الآخر واحدة من أهم
المعضلات التي تعترض تطوير العلاقات، ويتحمل الجانبان سوية مسؤولية التدهور الآخذ
بالازدياد في العلاقات بينهما، ومن أبرز المشاكل التي تعترض العلاقات العربية
التركية ارتباط هذه العلاقات بالأشخاص والقيادات أكثر من ارتباطها بحقيقة حاجة
الطرفين إلى بعضهما.