اكتنفت ظهور وثيقة الأسرى جملةٌ من الوقائع التي ترتبت على فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي؛ وكان للحصار المالي والدولي على الحكومة الجديدة التي شكلتها حماس، والأزمة الداخلية التي ترتبت على خروج فتح من الحكومة، وتراجع قوتها في المجلس التشريعي، أثرٌ كبير على خروج الوثيقة إلى حيّز الوجود، بدافع التوصّل إلى وِفاق وطني يشكل ناظماً للحياة السياسية الداخلية، ويمهّد الطريق لفكِّ الحصار، ويُساعد في تشكيل جبهة فلسطينية أمام مشروع أولمرت "الانطواء"، والمواقف الدولية المساندة له، والمحاصرة للشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال.
واعتبرت وثيقة الأسرى واحدة من المشاريع المهمة التي تسعى إلى تحقيق الأهداف المذكورة، في ظلّ واقعٍ ازداد تعقيداً مع القفزة التي حققتها حماس في فوزها في الانتخابات كلاعب رئيس في المعادلة، وكشريك لا يمكن استبعاده في صناعة القرار السياسي. وتزايدت أهميتها مع الرفض الفعلي الذي مارسته فتح لخروجها من الساحة، ولو بطريقة ديمقراطية. واعتبر الساسة الفلسطينيون أن هذه الوثيقة تكتسب أهمية قصوى لأنها خرجت من قيادات كانت فاعلةً ميدانياً قبل الأَسْر، ولأنها جاءت شاملةً إلى أبعد الحدود.
الوثيقة اعتُبرت مخرجاً للجميع من الأزمة التي تفاقمت مع تزايد المواجهات الميدانية بين فتح وحماس، وتصاعد الاحتجاجات على تأخر صرف الرواتب، وانسداد الأفق السياسي نتيجةَ الحِصار الإسرائيلي والدولي على حكومة "حماس"؛ فهي تعطي لحماس فرصةً لمواجهة المجتمع الدولي ببرنامج يتسم بطابع وطني، وليس بطابع "حمساوي"، مما يعطي فرصة أفضل لفكِّ الحصار.
واعتُبرت الوثيقة كذلك مخرجاً لفتح التي وجدت نفسها، بعد أربعين سنة من احتكار القرار السياسي الفلسطيني، خارج اللعبة؛ فالوثيقة تفتح الباب واسعاً أمام فتح للعودة إلى السلطة من بوابة حكومة الوحدة الوطنية التي تنصّ عليها، شرط أن تبقى حماس صاحبة القرار في أي تشكيلة قادمة، بسبب الأغلبية التي تحظى بها في المجلس التشريعي.
الوثيقة جاءت نتيجة المخاض الطويل الذي خاضته القوى الفلسطينية، وخاصةً حماس، لإعادة بناء منظمة التحرير حتى تشمل جميع القوى الفاعلة على الساحة، وعملت كذلك على وضع حجر الأساس للبناء الفلسطيني الداخلي للمرحلة القادمة، ووضعت كذلك إطاراً عاماً لمشروع النضال الوطني الفلسطيني، بحيث اشتملت على مشروعَي المقاومة والتسوية؛ فهي من ناحية أكدت على حق المقاومة بكل السّبل لتحرير فلسطين، وأبقت الباب مفتوحاً أمام المفاوضات والطرق الدبلوماسية لحلّ القضية، بما لا يؤدي إلى التخلي عن الحقوق والثوابت الوطنية.
الوثيقة أدت إلى تخفيض سقف الانتصار لحماس الذي تحقق في الانتخابات التشريعية، وهو الانتصار الذي كان مهدداً بالإفشال والتدمير، وأدت كذلك إلى التخفيف من قسوة الهزيمة التي مُنيت بها فتح في تلك الانتخابات، وهي الهزيمة التي لم يكن من السهل على فتح أو إسرائيل أو الولايات المتحدة وأوروبا، أو المحيط العربي، القبول بها بسهولة.
وقد اعتبر البعض أن الوثيقة هي أداة مهمة لإخراج حماس من السلطة، من خلال الاستفتاء، أو من خلال إحراج حماس بدفعها إلى الاعتراف الضمني بإسرائيل. وقد وَعَت حماس هذه الأهداف، فكان تعاملها مع الوثيقة إيجابياً وبمسؤوليةٍ عالية؛ وكان في الوقت ذاته من الصعب على فتح العودة إلى السلطة من خلال الوثيقة، حتى لو تمَّ الاستفتاء عليها، لأن الوثيقة لا يمكن أن تكون بديلا عن انتخابات ديمقراطية شهد الجميع بنزاهتها.
وثيقة الأسرى تعتبر مكسباً للجميع، وبخاصةٍ حماس، لأنها تشكِّل بدايةَ تثبيت دورها كلاعبٍ أساسي في السياسة الفلسطينية، بل يمكن اعتبارها مكسباً للقضية الفلسطينية، حيث يمكن من خلال الوثيقة، إذا تَمَّ تفعيلها وترجمتها إلى برامج وآليات، تكوين مرجعية سياسية فلسطينية تمثّل كافة القوى السياسية، وتحافظ على حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني.