أصبح الملف النووي الإيراني من أكثر القضايا تعقيداً وإثارة للجدل إقليمياً ودولياً. فإيران تصر على حقها في تخصيب اليورانيوم وإتمام دورة الوقود النووي، بينما تعارض ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معارضة مطلقة. لكن للصين وروسيا موقف آخر، فهما يؤيدان من حيث المبدأ حق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية وتعارضان فرض عقوبات دولية شديدة على إيران.
ويتحدث التقرير عن مجموعتين من العوامل في اتخاذ البلدين لمواقفهما حيال إيران.
1-مجموعة من العوامل السياسية والقانونية في تعاونهما مع إيران، أهمها أن لروسيا والصين تعاوناً وثيقاً مع إيران في المجال النووي. ذلك أن روسيا ملتزمة باتفاقيات لبناء محطة بوشهر النووي ولتدريب الخبراء الإيرانيين مما يجعلها طرفاً يساهم مباشرة في تطوير قدرات إيران النووية. وتقدم الصين المساعدات اللازمة لبناء منشآت ومراكز بحوث وتدريب للعلماء والفنيين الإيرانيين.
والعامل الثاني في موقف الدولتين الكبيرتين هو مشروعية البرنامج الإيراني وعدم مخالفته لقواعد التعاون الدولي. كما أن إيران وقعت قديماً معاهدة منع الانتشار النووي والبروتوكول الملحق بالمعاهدة. وهناك عامل ثالث، وهو أن أطرافاً أخرى، منها ألمانية وأمريكية كانت تساعد إيران في هذا المجال، بالإضافة إلى أن روسيا لم تواجه ذات الانتقادات في تعاوناه النووي مع الهند. لذلك فإن الموقف الأمريكي من إيران يعتبر موقفاً سياسياً، لا قانونياً.
2-عوامل اقتصادية: بلغت قيمة العقد الروسي لبناء محطة بوشهر النووي 800 ملين دولار، بالإضافة لتوفير فرض عمل لنحو عشرة آلاف من الخبراء الروس. كما أن إيران تنوي بناء "مفاعلاً نووياً لتوليد الطاقة تفتح المجال لمزيد من التعاون الروسي. وإيران في نفس الوقت شريك تجاري هام لكل من روسيا والصين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري مع الصين حوالي سبعة مليارات دولار عام 2004. وهناك عامل اقتصادي ثالث يتمثل في حيوية النفط الإيراني للصين الذي يمثل 14% من وارداتها. وقد عقدت الصين اتفاقية قيمتها سبعون مليار دولار لشراء النفط والغاز الطبيعي من إيران. ويأتي التعاون العسكري كعامل هام إذ تعتبر إيران سوقاً رئيساً للسلاح الروسي والصيني، حيث تم الإعداد لصفقات سلاح روسية تقدر بسبعة مليارات دولار، كما أن إيران تحتل المرتبة الثالثة بين مستوردي السلاح الصيني.
وإزاء هذا الوضع، هناك سيناريوهان أساسيان حول مستقبل الملف النووي الإيراني:
1-اكتفاء إيران بتوظيف قدراتها النووية في الاستخدامات السلمية، وهو ما يؤكده الإيرانيون، وفي هذه الحالة يستمر الدعم الروسي والصيني لإيران، مما قد يجعل أمريكا تتراجع عن اللجوء لاستخدام القوة.
2-اتجاه إيران إلى تطوير قدراتها النووية عسكرياً، مما سيؤدي إلى تراجع نسبي في التأييد الروسي والصيني مع تصاعد الضغوط الأمريكية.
والسيناريو الأول هو الأكثر رجاحة في المستقبل المنظور، لكن إيران لا يمكن أن تؤجل طويلاً امتلاكها للسلاح النووي. وإنتاج هذا السلاح سوف يعزز قدرتها الشاملة ومكانتها الإقليمية لتصبح فاعلاً إقليمياً أساسياً.
إزاء هذا الوضع، هناك حاجة ماسة للدول العربية لبلورة رؤية عربية خالصة لمستقبل المنطقة، وإلا جاوزتها الأحداث وربما فقدت إرادتها وهويتها.
|